في سنة 219 قبل الميلاد، بدأ القائد القرطاجي الشهير حنبعل حملة ملحمية الى روما بجيش ضخم عبر به جبال البرانس وجبال الألب إلى وسط إيطاليا محققا سلسلة من الانتصارات العسكرية خلدها التاريخ.

أشهر واعظم معركة خاضها الجيش القرطاجي بقيادة حنبعل هي بلا شك معركة كاناي التي تعد من أشهر المعارك والانتصارات العسكرية في التاريخ.

جرت المعركة في سنة 216 قبل الميلاد في قرية كاناي الواقعة اليوم في جنوب شرقي إيطاليا، وفيها حشد الرومان واحدة من أكبر الجيوش في تاريخه لمعركة واحدة.

فعلت روما ذلك بعد سلسلة من الهزائم المذلة أمام حنبعل، وخاصة معركتي نهر تريبيا وبحيرة تراسيميني، وكان الغرض هو إنهاء التهديد القرطاجي بشكل نهائي بالاستعانة بأكبر جيش ممكن لحماية العاصمة.

تألف الجيش الروماني من حوالي 86 ألف رجل، 80 ألف من المشاة و6 آلاف من سلاح الفرسان، أما الجيش القرطاجي، فقد تألف من 50 ألف رجل، 40 ألف من المشاة و10 آلاف من سلاح الفرسان.

على الرغم من التفوق العددي للجيش الروماني، الا ان الجيش القرطاجي تمتع بميزة مكنته من تدمير جيش أكبر منه، وهو وجود قائد بعبقرية حنبعل.

اعتمد الرومان في معركة كاناي تكتيكًا تقليديًا بحيث يكون المشاة في وسط الجيش وسلاح الفرسان على الجانبين، والتركيز الأكبر كان على المنتصف لاختراق الجيش القرطاجي بأسرع وقت ممكن وبأقل الخسائر وتقسمه الى كتلتين.

توقع حنبعل ذلك، فاعتمد تكتيكًا عسكريًا مختلفًا تماما عن التكتيك الروماني، ووزع جيشه على شكل هرم موجه نحو الجيش العدو، بحيث يكون الوسط أقرب الى الرومان من الجانبين.

احتفظ حنبعل بسلاح الفرسان عند الجناحين، أما أقوى قواته، الليبيين، فقد احتفظ بهم خارج ميدان المعركة حتى يحين وقتهم.

مع بداية المعركة، وبسبب التفوق العددي، بدأ الجيش القرطاجي يتراجع الى الخلف ببطء، وهذا ما أعطى الرومان ثقة عالية في النفس، واندفعوا أكثر نحو المنتصف تاركين الجناحين.

عندما أصبح الجيش القرطاجي أخيرًا في صف واحد، اعطى حنبعل أمره بدخول الليبيين الى أرض المعركة من الجانبين، وقبل ذلك، كان سلاح الفرسان القرطاجي قد دمر سلاح الفرسان الروماني.

هذا الأمر سهل عملية دخول الليبيين نظرا لخلوه من سلاح الفرسان الذي من المفترض أن يحميه من الحافتين.

استمر منتصب الجيش القرطاجي في التراجع إلى الخلف، وفي المقابل، بدأ جانبا الجيش في التقدم نحو الامام مستغلا ضعف جناحي الجيش الروماني.

سرعان ما وجد الرومان أنفسهم داخل حلقة مغلقة في واحدة من أكبر الحصارات داخل أرض المعركة في التاريخ، فأكثر من 70 ألف رجلا وجد نفسه محاصرًا من كل الجهات.

رفض الرومان المحاصرون الاستسلام، وهنا بدأت المجزرة القرطاجية البشعة بحق الجيش الروماني، والذي قُتل منه ما يقرب من 49 ألف رجل، ربما أكثر من أي معركة في التاريخ حتى ذلك الوقت، وفي المقابل، لم يفقد القرطاجيون سوى 5.7 ألف رجل.

بالرغم من الهزيمة الشنعاء للجيش الروماني، إلا أن الرومان في العاصمة رفضوا كل عروض الاستسلام.

بدلا من ذلك، قاموا ببناء الجيش جديد وتحديث أسلحتهم ومهاراتهم، وبعد نحو 14 عاما، وقعت معركة زامة الشهيرة التي أنهى بها الجيش الروماني الحرب البونيقية لصالحه وأصبح مرة أخرى قوة عظمى في حوض المتوسط.