أحرز القائد العسكري القرطاجي حنبعل عددًا من الانتصارات العظمية خلال حملته الملحمية على روما في أواخر القرن الثالث قبل الميلاد.

اشتهر هذا الرجل بعبقريته وتكتيكاته العسكرية المذهلة التي كان بفضلها قريبًا للغاية من غزو روما والقضاء على الجمهورية الرومانية التي حكمت العالم بعده لأكثر من ستة قرون.

أعظم معارك حنبعل كانت بلا شك معركة كاناي التي أبان فيها عن عبقريته الفذة في الإدارة والتخطيط وهزيمة جيش يفوقه عددًا في واحدة من أسوأ المعارك في التاريخ (قُتل فيها 50 ألف روماني من أصل 86 الف جندي شارك في المعركة).

لم يستسلم الرومان بعد هذه المعركة ورفضوا كل عروض حنبعل للسلام، بل ورفضوا حتى دفع فدية الأسرى الذين أخذو في كاناي.

بدلا من ذلك، قام الرومان بإعادة بناء الجيش وتطوير أسلحته، وبعد نحو 14 عامًا، نجح الرومان أخيرا في القضاء على التهديد القرطاجي، وهذا لم يكن ليتحقق لولا وجود قائد روماني عظيم، وهو سكيبيو الإفريقي.

الرجل الوحيد الذي تمكن من هزيمة حنبعل في معركة كبيرة هو بابليوس كورنيليوس سكيبيو الإفريقي، والمعروف أكثر بـ “سكيبيو الإفريقي” أو “سكيبيو الإفريقي الأكبر”.

يسمى سكيبيو الإفريقي بـ “الأكبر” لتمييزه عن حفيده بالتبني “سكيبيو الإفريقي الأصغر”، وهذا الأخير هو قائد الحملة الرومانية التي دمرت قرطاجة في الحرب البونيقية الثالثة.

ولد سكيبيو الإفريقي الأكبر في سنة 235 قبل الميلاد، حوالي 12 عامًا بعد ميلاد حنبعل.

شهدت فترة شباب سكيبيو واحدة من أسوأ الهزائم في التاريخ الروماني، وهي الحرب البونيقية الثانية.

انتهت هذه الحرب لصالح الرومان، لكن ذلك لم يحدث سوى بعد سلسلة من الهزائم الكارثية والمذلة للرومان على يد الجيش القرطاجي بقيادة حنبعل.

شارك سكيبيو في العديد من هذه المعارك، لكنه نجا في كل مرة، وحتى أنه نجا من معركة كاناي التي قُتل خلالها معظم الجيش الروماني.

قضى سكيبيو سنواته التالية من معركة كاناي في دراسة خصمه، وباعتباره شاهد عيان، فقد أحسن القيام بذلك، وقد نجح قبل معركتهما الشخير في تحقيق ما يمكن أن نصفه بـ “انتصارات فرعية على أرض معركة أمام حنعبل”.

على سبيل المثال، وخلال معركة كاناي، نجح سكيبيو في تنظيم أكبر مجموعة من الناجين وقيادتهم الى بر الأمان بعيدا عن المجزرة.

بالنسبة للرومان، كانت كاناي مجزرة عظيمة، أما بالنسبة لسكيبيو، فقد كانت درسًا تعلم منه تكتيكات حنعبل واستراتيجيته، والتي سيستخدمها لاحقا في معركة زاما.

انتصاره في معركة زاما حولته الى أسطورة حية في روما، وخوفًا من اكتسابه لأي سلطة سياسية، قام أعداءه ومجلس الشيوخ بإخراجه من الحياة السياسية، وأمضى ما تبقى من حياته منعزلا في منزله.

حتى التاريخ لم يُنصف هذا الرجل، فربما لم يكن بنفس عبقرية حنبعل، لكن إنجازه وتكتيكه العسكري في معركة زاما يعتبر من أعظم الإنجازات في التاريخ، وخاصة وأنه كان أمام أحد أعظم العقول العسكرية على الاطلاق.